نبي الله يعقوب ابن نبي الله اسحاق ابن نبي الله إبراهيم عليهم السلام جميعا، من أكثر الناس ابتلاء وامتحانا في هذه الدنيا، وقصته فيها عبر كثيرة، ونختصر قصته ليستفيد منها الجميع.
يعقوب عليه السلام رزقه الله 12 ولدًا من بينهم نبي الله يوسف عليه السلام وقد أعطى الله يوسف عليه السلام نصف الحسن وأعطاه أيضا النبوة والحكمة والخير الكثير، وكان محبوبا لمن يراه، وأحبه والده يعقوب عليه السلام محبة كبيرة.
ورأى يوسف عليه السلام رؤيا: (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) وأخبر أباه بما رأه فقال له والده: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) وذلك لأنه علم أن ولده سيكون له شأن عظيم عندما يكبر، ومرت الأيام ومحبة والده له تكبير يوما بعد يوم حتى لاحظ ذلك إخوته، فقالوا: (ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا)، وكبر لديهم الحسد وكغيرهم من بني آدم غير معصومين، فدبروا أمرًا أن يقتلوا يوسف ولكن أمتنعوا عن ذلك، ورموه في البئر، وجاءت قافلة يرتوون فرأوا فيها غلاما وهو يوسف عليه السلام، فقالوا: لمن هذا الغلام فقال أخوة يوسف: هو غلامنا ونريد بيعه، فاشتراه بعضهم وذهبوا به إلى بلدهم مصر.
ولما رجعوا إلى أبيهم غطوا على فعلتهم تلك فقالوا: (إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب)، (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) حتى يثبتوا لأبيهم صدق كلامهم، ولكن نبي الله يعقوب عليه السلام يعلم أن ولده لم يمت فوعد الله أصدق، فقال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا)، وصبر يعقوب عليه السلام على هذا البعد فترة طويلة جدا من طفولة يوسف عليه السلام وحتى ولايته على مصر، وكان يعقوب عليه السلام كثير الدعاء والتضرع لله أن يحفظ ولده وأن يرده إليه، ومن شدة تأثره بكى حتى ذهب بصره، واولاده ما زالوا في عنادهم اذ يقولون: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين)، وكانت كلمته التي يكررها دائما: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون).
ومرت على نبي الله يوسف عليه السلام كذلك أمور عظام ولكنه صبر ولجأ إلى الله تعالى، فلما كبر ورزقه الله العلم والحكمة وتأويل الأحلام، وازداد جمالا وحسنا؛ راودته زوجة كبير مصر ولأنها لم تحصل على ما تريد منه اتهمته بأنه حاول الاعتداء عليها، وجمعت عليه نساء مصر لم تكتفي بما عملته هي، ولكنه كان يدعو ربه ويقول: (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) ويقول: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجالهين) (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وبعد ذلك تم نقله إلى السجن، وبقي فيه فترة ما شاء الله أن يبقى، وفرج الله أصبح قريبا، وجاءت رؤيا للملك ولم يستطع أحد تفسيرها، ومرت كذلك فترة، وما زال نبي الله صابرا محتسبا يدعو ربه ويدعو الناس للخير حتى وهو في السجن، وبعد فترة سمع الحاكم أن يوسف عليه السلام عنده علم لتفسير الرؤيا، فأرسل إليه ولكن يوسف عليه السلام بعد أن فسر الرؤيا لم يذهب حتى تتم تبرئته من التهمة الموجهة إليه، وأن يرجع الحق لأهله، وبعد أن اعترفت امرأة العزيز بما عملته ورجع يوسف إلى مصر رجع معززا مكرما أمينا لمخازنها، ورفعه الله بصبره وإيمانه، ومع ذلك ما زال بعيدا عن أهله ولا يدري ما حل بهم، وفي المقابل ما زال أبوه يدعو الله تعالى أن يجمعه بولده، ومرت الأيام والسنون، وحل قحط عام في كل البلدان ما عدا مصر وكل ذلك تمهيدا ليلتقي الأب بولده، فالله عزوجل قد يؤخر الفرج لحكمة وإذا أراد أن يزيل الهم عن عبده يحرك له الدنيا بأكملها حتى يوصل عبده إلى ما يريد من الخير؛ المهم أن لا نيأس من رحمه الله وفضله.
وبعد أن حل القحط ذهب أخوة يوسف لما علموا أن في مصر لا يوجد قحط، ولما دخلوا على يوسف عليه السلام عرفهم وهم لم يعرفوه، ولكن لم ير أخاه معهم فقام بعمل خطة حتى يرجعوا إليه، وأغرى أخوانه بأنه سيزيدهم إذا جاؤوا جميعا، ولما رجعوا إلى أبيهم حاولوا معه أن يأخذوا أخاهم معهم ولكنه رفض ولكن بعد محاولات سمح لهم بذلك، وأوصاهم أن لا يتركوه كما فعلوا مع يوسف أخاه من قبل، فاعطوا أباهم المواثيق والوعود، وذهبوا ولما دخلوا على يوسف آواى إليه أخاه وأخبره أنه أخوه يوسف وأنه سيمتحن أخوانه، حتى يستطيع الوصول إلى أمه وأبيه، ونفذ ما خطط له، ولم يرجع أخوه مع بقية أخوته إلى أبيهم، ولما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بما حدث وهم صادقين في قولهم هذه المرة، أمرهم أبوهم أن يرجعوا ويبحثوا عن يوسف وأخيه، فاستغرب الاخوة أن أباهم ما زال متذكرا ليوسف.
وأمرهم أن يذهبوا مصر وأن يبحثوا عن يوسف وأخيه، ولكنهم لما دخلوا على يوسف لم يسألوه عن أخيهم وإنما سألوا الحاجة، ولكن يوسف عليه السلام أجابهم وقال: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون)، وأتهمهم بالجهل التماسا للعذر وتسامحا مع إخوانه، وأجابوه: (قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، وأشار عليه السلام أنه من يتق الله ويصبر فالله عزوجل سيعطيه أكثر مما يتوقع فجزاء الصبر ليس له حدود، وسامح أخوانه على فعلتهم، وقال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) وأمرهم أن يذهبوا إلى أبيهم ويعطوه قميصه وسيرجع له بصره، ولما وصلوا إلى أبيهم ما زالوا كما هم لم يتغيروا وقالوا: (تالله إنك لفي ضلالك القديم)، وفي الأخير اجتمع يوسف مع أبويه واخوانه ورفعهم عنده مكانا عليا وأصبح واليا على مصر وأعطي من كل الخير: النبوة والحكمة والعلم والمكانة والمنصب، ولو لم يحدث ما حدث من الأحداث لما وصل يوسف عليه السلام إلى ما وصل إليه فهذه حكمة الله تعالى وفوق كل ذي علم عليم.
فالله عزوجل قد يمتحن عبده المؤمن ويختبره ويبتليه ويغير حاله من حال إلى حال وكل ذلك ليصل إلى شيء قد لا يظن العبد أنه يصل إليه، وعلينا جميعا أن نوكل أمورنا إلى الله وأن نسعى جاهدين إلى ما نقدر عليه ونفعله.